في عقد 1990، ومع مطلع الألفية الثالثة، أخذت المكتبات في الولايات المتحدة تستغني عن الكروت الببليوجرافية، وهي بطاقات للبحث عن محتويات المكتبة، بحيث يكون لكل كتاب مثلا أكثر من بطاقة (واحدة بالعنوان وأخرى بالمؤلف وأخرى بالموضوع وهكذا). وحلت محل هذه البطاقات شبكة من أجهزة حاسب يطلب منها رواد أو أمناء المكتبة ما يريدون فتدلهم على مكانه وحالة وجوده واستعارته. حدث ذلك بعد نصف قرن تقريبا هو عمر العصر الرقمي، وفيه أنشئت قواعد البيانات بطريقة تجعلها قابلة للبحث إلكترونيا searchable.
ولسنا بحاجة لتأكيد أن سهولة البحث وكفاءته وراءها عملية معقدة يقوم بها مطوروه لتعريف الأشياء وفرز الاحتمالات والربط بين المواد المتناثرة. وهي عملية رياضية في المجال الأول تستخدم فيها الخوارزميات (سلسلة من التعليمات الرياضية المنطقية لها بداية ونهاية). وهكذا بدأت الشركات والبنوك وبعض القطاعات الحكومية تغذي قواعد بياناتها بمحتويات الملفات والمستندات الورقية ليصبح الموظفون متصلين بها مباشرة على الشبكات المحلية local area networks (LAN). وهكذا، تحولت المعلومات من شكلها الورقي hardcopy إلى البرمجي softcopy وأمكن استدعاؤها في اللحظة الواحدة عددا غير محدود من المرات دون أن يستهلك الملف مثلا أو يضيع، ودون الاعتماد على فرد أو دائرة بيروقراطية من الموظفين والإجراءات، وإن كان ذلك قد أتيح في الغالب للعاملين أنفسهم وربما ليس كل العاملين.
وقد ظهرت أجهزة حاسب في المتاحف (توفرت في المتحف المصري منتصف عقد 1990) يمكن للزائر من خلالها استعراض مقتنيات المتحف وتاريخه والبحث عما يشاء في بياناته. أيضا في مكتبة ضخمة مثل مكتبة الإسكندرية الحالية يمكنك إجراء عملية البحث عن الكتب بالمؤلف أو المترجم أو الموضوع أو العنوان إلخ ليتحدد لك موضع ما تبحث عنه؛ في أي قسم وعلى أي رف في المكتبة وما رقم تسجيله. بل إن مكتبة الجامعة الأمريكية أنشأت، على غرار المكتبات الكبرى في العالم، قاعدة بيانات لمحتوياتها يمكن بحثها على الإنترنت من الخارج على الموقع الخاص بالجامعة.
إن ظهور شبكة الإنترنت وانتشارها الكبير، كان هو القفزة الكبرى في رقمنة البحث عن المعلومات. فلست بحاجة إلى الذهاب لأي مكان للبحث داخله. إذا كان المطلوب كتابا فأنت تتأكد من وجوده قبل الذهاب للمكتبة، أو تشتريه من خدمة بيع على الخط online، ثم وصل الأمر لإمكانية تحميل نسخ برمجية من الكتب نفسها من على الشبكة، أو من على أجهزة المستخدمين في حالة برامج المشاركة في الملفات file-sharing أو تبادلها peer-to-peer. وسنتوقف طويلا عند البحث على الإنترنت لأنها قمة تقنية البحث الرقمي وقِبلة الباحثين.
|